جدول المحتويات

, ,

النظام المالي: زبد يذهب جفاءً

تطالعنا الكثير من وسائل الإعلام الغربية بمطالبات الخبراء عندهم (وأحيانا مسؤولون مثل الحكومة اليابانية) بتطبيق نظام اقتصادي إسلامي بل وأحيانا تأتي المطالبات من آخر مكان تتوقع أن تصدر منه مثل الفاتيكان! كل هذا بعد تكرار ما يسميه الخبراء انفجار الفقاعات bubble burst. فما هو العجيب في الفقاعات (الزبد) ؟ وما علاقته بالمال والاقتصاد ؟

فأما الزبد فيذهب جفاءً - الخصائص الفيزيائية

قال الله سبحانه جل في علاه: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ } (آية 17 من سورة الرعد)

جاء في التفسير الميسر (من مجمع الملك فهد): “بمثل هذا يضرب الله المثل للحق والباطل: فالباطل كغثاء الماء يتلاشى أو يُرْمى إذ لا فائدة منه، والحق كالماء الصافي، والمعادن النقية تبقى في الأرض للانتفاع بها” وذكر الطبري في تفسيره “وعنى بقوله:(رابيًا) ، عاليًا منتفخًا،”

فالزبد هو فقاعات الرغوة التي تكون فوق الماء والتي تطفو فوقه لأنها أقل كثافة منه لأنها خاوية أغلب حجمها هواء ويكفي لنسمة صغيرة أن تذروها بعيدها (الفصل الفيزائي حسب الكثافة يستخدم أيضا في تنفية المعادن لكني أريد أن أركز على زبد السيل). أما لماذا تذهب جفاءً فهو لخاصية فيزيائية فريدة غريبة عجيبة اسمها التوتر السطحي. حتى نفهم لماذا هي غريبة فلنتامل قوانين الطبيعة سنة الله في هذا الكون لنجد أن أن الهواء ينتقل من الضغط الجوي العالي إلى المنخفض حتى يحدث توازن كذلك الحرارة تنتقل من الحرارة العالية إلى المنخفضة حتى يحدث توازن (ولا تنتقل بالعكس دون بذل شغل) والتيار الكهربائي (أو الشحنات الكهربائية) ينتقل من الجهد الكهربائي (الفولتية) العالي إلى المنخفض. والأملاح الذائبة تنتقل من تركيزها الأكثر إلى الأقل (الإسموزية) والماء كذلك من تركيز الماء الأكثر (أي تركيز الأملاح الأقل) إلى الأقل حتى يحدث توازن والأمثلة للمتأمل لا تنتهي.

إلا في الزبد! الذي هو رمز الجشع حيث ينتقل الهواء من الفقاعة الصغيرة إلى الفقاعة الكبيرة (بسبب الضغط الناتج عن التوتر السطحي) وتظل الفقاعة الكبيرة الجشعة تلتهم الفقاعات الصغيرة وتفنيها واحدة فواحدة وتكبر (على حساب الفقاعات الصغيرة) وتكبر وتكبر حتى… تنفجر وتذهب جفاءً!

لماذا تسمى المشكلة المالية bubble burst

في مقال على CNN يقول الباحث بأن العالم “تورط في تعاملات قيمتها 600 ترليون دولار، في حين أن الاقتصاد الحقيقي لا يتجاوز 60 ترليون دولار” فالنظام المالي ظل مثل الفقاعة ينتفخ ويعلو… ينتفخ ويعلو حتى ينفجر ويحدث كارثة مالية وتاليا اقتصادية.

“أسس الاقتصاد الإسلامي تجعله بريئاً من كل ما سبب الأزمة لأن ليس فيه إتجار بالديون ولا يقر بسعر الفائدة ولا البيع القصير وبيع ما ليس لدى البائع أو البيع على الهامش” وأضاف: “إذا نظرنا بعين الواقع فإن النظام المصرفي التقليدي منذ أن نشأ لديه منتج واحد، وهو القرض بفائدة، مهما تعددت صوره بين تسهيلات ائتمانية أو سحب على المكشوف أو سند، أما البنوك الإسلامية فلديها عدد غير محدود من المنتجات ليس فيها قرض بفائدة، ومنها التمويل عبر المضاربة والمشاركة والوكالة باستثمار، أو الاتجار بالودائع عبر الاستصناع والبيع والشراء والمرابحة والسلم”.

وأضاف قائلا: “قبل فترة سقط الاقتصاد الاشتراكي ومات وشيعت جنازته، واليوم جاء دور الاقتصاد الرأسمالي الذي أقول إنه سقط لأن العلاج الذي تم له هو التأميم”.

أين وكيف فشل النظام الرأس مالي ؟

النظام المالي الحالي قائم على ثقة عمياء في النظام المصرفي وليس على أصول حقيقية لها قيمة مادية (وهو ما يسمى في الشريعة بالغرر). مثلا البنك المركزي السويدي كما تقول ويكيبيديا كان في الأصل تابع للقطاع الخاص (ومؤسسه هو الذي قدم العملة الورقية لأوروبا) وحتى بعد أن كانت إدارته للحكومة تم عمل قانون في 1975 ميلادية تم فصله عن الحكومة إلى هيئة خاصة مستقلة بل وتم انهاء اتصال العمله فيه بالذهب حيث كان إلى عام 1931 ميلادية يغطي العملة بالذهب ثم أصبح ملزما على تبديلها وفي 1975 تم فك أي إلزام فأصبحت العملة مجرد حبر على ورق وغير مرتبطة بأي إلتزام.

هذه ليست حالة فردية. كذلك الحال في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن البنك المركزي هناك والمسمى الخزينة الفدرالية ليس هيئة حكومية تماما بل شبه حكومي أو شبه خاص quasi-public and quasi-private وتعاقب على إدارته اليهود من مصرفي القطاع الخاص الذين كان آخرهم Ben Bernanke. وحتى لا نخرج عن الموضوع الدولار تم فصله عن الذهب في عام 1971 ميلادية حيث أصبح مجرد حبر على ورق.

وإن لم تكن تدرك معنى هذا الكلام تامل تأمل هذه الحادثة حيث قام البنك السويدي يوضع نسبة فائدة 500% من أجل أن لا يهبط سعر العملة بسبب المضاربات ثم تقوم بخفض سعر العملة بشكل مفاجئ! وفي الرابط السابق نرى مهاتير محمد يلقي باللوم على مشكلة نمور أسيا وانهيار عملة بلاده على مضاربين مثل اليهودي جورج سورس (الذي ربح مليار دولار في يوم واحد من المضاربة بالعملة)

خلاصة القول أن النظام المالي والمصرفي قائم على “لا شيء” مجرد فقاعة أغلب حجمها هواء. وللحديث بقية.