بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن سار عل نهجهم، واقتفى أثرهم لم يبدل ولم يغيّر ؛ الى يوم الدين ثمّ أمّا بعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
مرحباً بكم جميعاً ..
فإنّ هذه المقالة المختصرة اختصاراً لا يخل بالمقصود؛ تريد أن تصحح أحد المفاهيم التي تراكمت في عقول كثير من المستخدمين؛ لهذا كان لزاماً عليّ أن أبيّن وجه الصواب في هذا ، وأوضحه توضيحاً يشفي العليل . مع ذلك فإنّ الإنسان معرّض للخطأ والنسيان والسهو والجهل .. أتمنى من الله أن لا يصيبنا شيء من ذلك، وأن يقينا شرور أنفسنا ، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ، وأن لا يحرمنا الأجر ، وأن يكمل النعمة بالتوفيق الى الإخلاص والصدق في القول والعمل إنّه سميع قريب مجيب … آمين آمين آمين ..
الفكرة التي أريد أن نبطلها هي كالتالي: منذ مدة ليست بالكثيرة، أجد بين الفينة والأخرى بعض الإخوان الذين يحبّون البرمجة ، ويسعون سعياً حثيثاً لإدراك أصول وفروع هذا العلم الكبير ! مع الإجتهاد والبذل والعطاء ؛ لكنّي وجدت عيباً كبيراً ألا وهو التقصير في تسطير منهج علمي رصين لكي يعرف الإنسان ما يقرأ وما يفهم وما يتعلم الخ … وكذا احتقار أنفسهم وأفكارهم وقدراتهم .. لهذا يسبب هذا العامل والذي سبقه أيضاً انقطاعاً عن التعلم وتركه مطلقاً بعد أن كان من أشد المتحمسين ، المثابرين دون الولوج الى تفاصيل نحن في غنية عنها الآن ، ولعلي أفرد لها قصة أخرى من قصص ألف ليلة وليلة في طلب العلم.
فالعيب الأوّل: اضطراب في التعلم بسبب عدم وجود مسار وطريق محدد للتعلم وهذا أمر خطير جداً خصوصاً في العلم ، فهو أودية ومفاوز وقفار تتقطع دون بلوغ شيء منه أعناق الجمال والإبل ..
العيب الثاني: احتقار النفس؛ مع ترك إفادة الغير ولو بفكرة ! وهذه خرافة تعلّق بها الناس .. إذا لم أكن خبيراً ، لا أستطيع أن أقدم فائدة ؛ كأن يقول قائلٌ: لست خبيراً بالعربية فلا أستطيع الإفادة ، وآخر لست خبيراً بالبرمجة فلا استطيع فعل شيء، وآخر لست خبيراً بالتصميم وهلمّ جرا .. وكل هذا من الهراء البيّن.
قاعدة نافعة لترتاح يا حبيبنا، ولكي تريحنا معك: لا أحد طالبك بفعل شيء لا تستطيعه، فالله لا يكلّف نفساً إلاً وسعها ، لكنّي أطالبك بعدم احتكار فائدة يمكنك إخراجها للعالم الخارجي.
مثال:
فالمرأة من أضعف المخلوقات ولا تقول لا أستطيع أن أخرج وليدي رغم ما تقاسيه من الألم والشدة؛ وهذا يعود لفطرة الإنسان ثمّ لمحبة الولد، ثمّ لقوة صبرها … الخ ..
فهل تطبّق عليها قاعدة: لا تخرجي وليدك ؟!! ولو وافقت على القاعدة فكبّر على نفسك أربعاً.
في هذه المقالة أحبّ أن أسلط الضوء على العيب الثاني فأقول وبالله وحده التوفيق والسداد:
سيكون كلامي موجهاً للفئة البسيطة من القراء، ولا يحتاج لفك الألغاز ! وسيكون على شكل نقاط كالتالي:
النقطة الأولى: التعلم أم التركيز على المستقبل ؟!
- الإنسان مكلّف بالتعلم ، وليس مكلفاً بالوظيفة او الشهادة فهما يدخلان في الأمور الغيبة المستقبلية لا طائل من التفكير فيهما أصلاً ، فهذا أمر لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجل، لهذا من الأحسن لنا أن نبقى على الشيء المعلوم لكي ترتاح أنفسنا ، فليس الإنسان مطالباً أن يكون في العلم مثل دينيس ريتشي صاحب لغة سي مثلاً أو غيره وهم كثر .. لكنّه مطالب بطلب العلم والتعلم وبذل الأسباب ودعاء رب الأرباب بالتوفيق ، مع أهميّة الإخلاص والصدق في كل شيء ..
النقطة الثانيّة: يمكن لأي أحد أن يفكر ! فالتفكير والأفكار ليسا حكراً على العلماء !
- يمكن لهؤلاء: _ مبتدئ ، والمتوسط ، والمتقدم _ أن يفكروا بشكل سليم، كل على حسب مستواه، وعقله، وعلمه ؛ وقد يكون المبتدئ صاحب خيال واسع، يملك أفكار جيّدة ومفيدة وذكيّة ، ولا يصل إل ذلك المتقدم !
النقطة الثالثة: رُبّ فكرة تنجب أسداً ( تطبيقاً مفيداً! ).
- يحصل مثل هذا كثيراً جداً فبعض التطبيقات التي كتبها المبرمجون ليست من أفكارهم الخاصة، بل ربما هي مستوحاة من أفكار أخرى ..
النقطة الرابعة: القراءة الصحيحة والمتنوعة والكثيرة تفيد كثيراً !
- إنّ إدمان النظر في الكتب، والمطالعة، والبحث، والتنقيب عن الذهب! من أهم العوامل المساعدة على جودة الفائدة او المعلومة التي تخرجها للعالم من حولك!
- سئل أحد علماء المتصوفة ولا يحضرني إسمه ، عن شيخ الإسلام أبي العبّاس ابن تيمية رحمه الله تعالى: فأجابه : هل رأيت قبّة الصخرة ؟ قال السائل له: نعم ؛ فقال له العالم: هو مثل قبّة الصخرة كتباً أو علماً.
النقطة الخامسة: منهج وطريق سليم + علوم مفيدة + طول زمان = خبير
لا عجب !! فإذا اتحد المنهج العلميّ والطريق الصواب مع العلوم المفيدة ومع بذل أنفس لحظات عمرك = خبرة كبيرة ورائعة ! وما أروع هذا الشخص لو جمع فنوناً مفيدة وجيّدة من كل الأصناف ؛ فيكون وحيد زمانه ، ودهره ، ولم يسبق من قبل ولا بعد إلاّ أحد عمل مثل ذلك وأكثر من الطلب!!
زيادةً على هذا أضيف: أنّه من الجيّد توّفر الأستاذ الناصح والمرشد العاقل ، والذكاء، والفطنة ، والعقل السديد الذي يقبل أحسن الأفكار ويذر ما دون ذلك .
النقطة السادسة ( وهي خلاصة الموضوع ): إحتقار النفس في بذل العلم = إنحراف
إنّ احتقار النفس في بذل أبسط الأشياء وهي تقديم أفكار برمجيّة أو علميّة الخ … لهو الضلال بعينه ، ولم ترى عيني مثل ذلك ، بل كان الناس يسعون وراء الفائدة ، ويأخذون الفوائد الصحيحة من كل أحد ، بل إنّ الماضيين كانوا يقبلون الحق من المخالفين دون حرج .
نضع مثالاً بسيطاً:
ما هو المانع او العائق من بذل أفكار برمجية لبناء تطبيقات مفيدة من رجل مبتدئ في البرمجة مثلاً ؟! لا يوجد أي مانع بل المانع في عقله فقط ، بل هو يخدم المجتمع كثيراً ، بتوفير مثل هذه المشاريع القيّمة والرائعة.
النقطة السابعة: العلم ثمّ العلم ثمّ العلم وأتمم ذلك كله بالعمل ..
أبذل الوسع في طلب العلم، أي علم مفيد تعلمه ، وسيتغيّر تفكيرك بشكل تدريجي ، لتستطيع الكلام في أمور كثيرة ، ولكي تخدم المجتمع والأمّة كلها بأمور كثيرة، من كل جهة.
قاعدة نضعها نصب أعيننا: ربّ فكرة تنجب أسداً ( تطبيق مفيد! ). وهي قاعدة ثبتت بالعقل والنقل (عن أهل الفنّ) وبالتجربة.
وبعد هذه النبذة البسيطة ، أتمنى أن لا يحتقر أحدٌ من المسلمين نفسه لأنّ له دورٌ فعالٌ ومهمٌ جداً ، ولو أنّ العرب ناموا عن لغتهم العربيّة في مجتمع المصادر الحرة والمفتوحة، لما سمع أحد بها ، زيادةً على أنّ الشباب يبذلون وقتهم في الفائدة وليس القيل والقال وتسفيه الآخرين ، وقتل الوقت بسب هذا ، وشتم ذاك الخ .. فهذا مشاهد غير خاف على أحد ..
أسأل الله أن يكون ما ذكرته خالصاً لوجهه الكريم ، موجباً الفوز عنده ، صواباً ، مفيداً ، نافعاً.
فما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من خطأ أو نسيان أو سهو فهو منّي ومن الشيطان والله ورسوله بريئان من ذلك .
وفق الله الجميع لخيري الدنيا والآخرة
ملاحظة: ما كان من خطأ أو سهو ؛ أتمنى حقاً أن أنبه إليه.
والله أعلى وأعلم وأحكم وهو يهدي السبيل ..